حزن




يا طاغية العينين

هاتي حزنيك الإثنين


إني أعيش ألف حزن


فهل أخاف إن زادت حزنين ؟



من الشعر القديم لصديقي الذي يشجعني أن أستمر في التدوين
بينما هو الذي كان يجب أن يستمر في كتابة الشعر

مقاطع من سيرة مدينة الخيال



يوم الأربعاء

يوم الأربعاء من كل أسبوع يشهد كوبري التاريخ زحاماً غريباً .. رجال وشباب وصبية حفاة مهترئو الثياب يتوافدون فرادي منذ الصباح الباكر ويتراصون بلا ضجة بامتداد الكوبري يولون وجوههم ناحية الميناء وتمتد عيونهم شاخصة في الفراغ إلي الأمام .. تقف الترام في محطتها خلفهم ولا أحد يترك مكانه إلا في المساء .. اكتشف الناس متأخراً جداً أن بالميناء فرنا يتبع الشرطة يسمي " فرن الإعدام " يتم فيه حرق المخدرات المضبوطة علي الحدود والسواحل وفي الأوكار .. يوم الأربعاء هو اليوم المحدد للحرق ، والنسيم القادم من البحر يهب علي الكوبري ماراً بالفرن ويصل للواقفين طيباً ممتزجاً بدخان الحشيش المحروق حاملاً الراحة والهناء بالمجان .. الآن تتلكأ فوق الكوبري الترام وسائر المركبات



الرجل والكلاب

بعد النكسة ظهر رجل يدور في شوارع " القباري " حافيا كثيف الذقن والشارب والشعر مهترئ الثياب ويقف كثيرا ليصيح : " طظ في الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس " ويضرب كلبا معه يسميه " جونسون " ... بعد عام ظهرت معه كلبة يناديها بـ "جاكلين" ثم كلب اسماه " اوثانت " وازدادت الكلاب تحمل اسماء " برانت " و"موبوتو" و" انديرا " و" لورد كارادون " و" جولدا " و" اليزابيث " و" بومبيدو" وغيرها ... صارت مسيرته مشهدا تفتح له النوافذ والشرفات ، وازدحم خلفه الاطفال يصرخون " طظ في الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس "

يومان لاينساهما الناس لهذا الرجل ، يوم مات "جونسون " فسكر وتمدد علي الرصيف يبكي بحرقة وجثة كلبه فوق ساقيه ، ولأنه كان سقي كلابه خمرا صارت تترنح وتنبح نباحا مقطوعا بالفواق الذي لم يتصور أحد أنه يصيبها ، ويوم مات الرجل نفسه الاسبوع الماضي فمشت الكلاب وحدها تصيح : " طظ في الامبراطوية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس




الشيخ لاشين

فجاة لم يعد هناك حديث للناس غير الشيخ لاشين واعظ مسجد سيدي القباري ... صار يوم الجمعة كيوم عرفة من شدة الزحام بالجامع وفي الشوارع وفوق اسطح المنازل ... الجميع مأخوذون من خطب الشيخ النارية وخوضه فيما لم يتعود الوعاظ الخوض فيه ... صار معروفا ان الشيخ لاشين لا يلتزم بالخطبة المقررة من قبل وزارة الاوقاف كما انه لا يرتجل بل يحفظ خطبه من كتب لا يصل اليها احد

منذ اسابيع انهي خطبته بدعاء قال فيه : " اللهم انصر امة الاسلام علي جيوش الفرنجة والتتار ومن بقي منهم ، اللهم ايد خليفة المسلمين المستكفي بالله سليمان وبارك في بني العباس ، اللهم ايد سلطاننا الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وعساكره ... ولا يزال الزحام





الحزن

عاد مدرس كان معارا الي الشارقة ... برقيته لم تصل ... فتح باب شقته بالمساء ودخل بهدوء ليفاجئ زوجته وطفليه بالسعادة ... فتح باب غرفة نومه فوجد زوجته تحت رجل ... نظرت اليه ونظر اليها ... عاد بهدوء الي الخلف ... عرفت قدماه باب الشقة وهو يسير بظهره ... خرج وهبط السلم بظهره ايضا ... نزل الي الشارع بظهره ومشي في الطريق بظهره وكل من يراه يوسع له في ارتباك ، وطفلاه اللذان برزا من احد الازقة يتابعانه ... ينظر اليهما وينظران اليه ... يمد لهما يديه ويمدان ايديهما... لا يستطيع التوقف ولا يستطيع التقدم نحوهما وكلما امسكا بيديه افلتتا منهما فلا يكفان عن البكاء ... الاسكندرية كلها صارت تعرفه ... يفسح له الناس الطرقات وتقف له اشارات المرور والسيارات

اختفي الرجل وطفلاه واوشكت الناس تنساه ، لكني حلمت به وقد لحق بالفضاء يدور حول الارض ، وبطفليه يدوران حول القمر





يا لطيف

لا أحد في " الدخيلة " لا يعرف الحاج عبد التواب ... هو صاحب أكبر اسطول من عربات نقل احجار البناء من الجبال ... وهو رجل صالح يحج كل عام ولاتفوته العمرة في رجب ولا رمضان ... رزقه الله بالولد بعد ثلاثين سنة وفي الفجر روع الناس بصراخ زوجته التي خرجت تجري في " شارع الجامع " حافية تقفز كثيرا في الهواء ... لقد تعود الحاج عبد التواب منذ رزق بالغلام ان يمضي معظم الليل يسبح باسماء الله ... تلك الليلة ظل يردد يا لطيف يا لطيف يا لطيف ... يتلطف في الاداء حينا ويندفع فيه كثيرا ولم يسمع قط تحذير زوجته ... اللطيف من الاسماء ذات الاثر الكوني السريع ... هكذا علق المتفقهون في الدين بعد الحادث ... والذي حدث هو ان سقف الحجرة انشق الي نصفين اندفع من بينهما طائر ضخم الجناحين ابيض سابغ غمر الغرفة بضوء ازرق يخطف الابصار ، وحمل الطفل الي صدره وضم عليه ساقيه وارتفع من بين السقف المفلوق يشق الفضاء الي السماء السابعة حيث عرش الله



ابراهيم عبد المجيد ــــ رواية بيت الياسمين